شتاء في الذاكرة ...
لعل الشتاء شديد البرودة في شمال العراق !! أخذت الأمطار تتساقط بغزارة شديدة طوال الليل، هذا العام سأقضيه في بيت جدي والد أمي..
دخلت خالتي الأرملة الساعة الخامسة صباحاً الى الغرفة التي كنتُ نائمةٍ بها مع أُختي و ابنة خالتي اليتيمة، وقالت انهضن فإن وقت الامتحان حان، نفضت الغطاء عني مسرعةٌ وتركت دفء السرير كطفل فقد احضان أمه رُغماً عنه وفي داخلهِ رغبة شديدة ان يعود لذلك الحضن، انصرفت خالتي لترتب بعض الأغراض المُلقاة على ارضية الغرفة من الليل لأن ابنتها ميلا المعتوهة تسببت ببعض الفوضى، نظرتُ اليها بشفقة ثم أطرقتُ برأسي كالذي لا حيلة له !
غسلت وجهي وتوضأت لصلاة الفجر بينما خالتي تركت ابريق الشاي على نار هادئة وكانت رائحة الهيل المنعشة منتشرةٌ في البيت، عدتّ الى نفس الغرفة لتأدية الفريضة ثم بعد ذلكَ ارتديت ثياب المدرسة القيتُ نظرة عابرة على المطر من خلف النافذة و انا مستمرة بأرتداء سائر الثياب ، لقد خف المطر وأصبح أقل شدة وغزارة عما كان عليه في الليل الذي تعالت فيه اصوات البرق والرعد ونغصت علي نومي، عادت خالتي الى الغرفة لتجد ابنتها واختي نائمات دون حراك !! لتقول بلهجةٍ صارمة انهضن يا كسولات سوف تتأخرن عن الامتحان قامت اختي من سريرها مذعورة !!
بينما كانت ريم تتقلب بالسرير وتمط في جسدها كما تفعل القطة !
ارتديتُ وشاحي الأبيض ومعطفي البُني الذي كان مصنوعاً من الفراء السميك وقلتُ في داخلي سيحميني جيداً من البرد!
ثم ذهبت الى المطبخ وسكبت بعضٍ من الشاي في كأسي جَلستُ على احد المقاعد التي كانت موضوعة في المطبخ وبدأت احتسي الشايّ الدافء متلذذةٌ بنكهة الهيل التي وضعتها خالتي به !!
دخلت أُختي الى المطبخ لكنها رفضت شرب الشاي وكانت منشغلة بالمراجعة للامتحان !!
تناولتُ في يدي محفضة الأقلام وكتاب الكيمياء.. بعد أن اكملت كأس الشاي ...
واخيراً خرجنا من المنزل بعد ما صارت الساعة السادسة والنصف كان المطر قد توقف لكن السماء بدت ظلماء وملبدة بالغيوم ، اخذنا نواصل السير لكن الشوارع فارغة ومظلمة بين البيوت لقد تحدثنا ببعض الامور خارج اطار المدرسة و اندمجنا بالحديث وفي هذا الاثناء عادت الأمطار تهطل فلم نبالي وابتسمنا ونحن نردد اغنية فيروز رجعت الشتوية، واذا بالمطر يشتد والريح اصبحت قوية تدفعنا ذات اليمين وذات الشمال !!
واضحينا لا نستطيع السير بسبب الأمطار التي بدأت بالتصاعد فوق الأرض !! لأن الشوارع لم تكن معبدة بين البيوت آن ذاك فصرنا نبكي وندعوا الله ان نصل الى المدرسة بسلام والماء كان يرتفع اكثر فأكثر كُنا كالذي يغوص في بحيرة لقد وصل ماء المطر الى مفصل الركبة.
ومعطفي السميك صار ثقيلاً بعد ان توغل الماء الى داخله حتى لاح جسدي البلل والرطوبة.
لكن هذا يهون غير ان البوت الذي كنت ارتديه دخل فيه الماء ايضاً حتى شعرت بأني حافية وكنا نمشي بصعوبة شديدة لكننا لم نفقد الأمل بأكمال طريقنا للذهاب إلى المدرسة ، حمدت ابنة خالتي الله أن معطفها المطري قد حماها من البلل ولم يلوح جسدها كما لاحنِ .!!
وصلنا الى رصيف الشارع .. كالذي كان يعوم في بحر وقد وصل اخيراً الى بر الأمان لقد قاومنا تدافعات الريح و الماء !! لكن ما زال امامنا طريق طويل وقفنا ننتظر سيارة الا أن الشارع كان فارغاً... انتظرنا قليلاً حتى مَرَتَ عربة صغيرة (ستوته).
توقفت امامنا فركبنا بها و أنتابنا شعور بالتعب الشديد والبرد، لكن سرعان ما اوصلتنا تلك العربة الى المدرسة، الجو قد تحول الى ظلام دامس قد اظلمت أكثر من السابق كأن الوقت ليلاً وليس صباحاً ، دخلنا الى المدرسة فأسرعتُ لكي اراجع ما حفظت استندت على احد الجدران واخذتُ اقلب في صفحات كتاب الكيمياء الذي طالما حميته من المطر وانا اضمه الى صدري و احتضنه بواسطة سواعدي كما تحتضن الأم طفلها الرضيع خوفاً عليه من الخطر لاحهُ بعضٌ من المطر لكن اوراقه ظلت جيدة.، القيت نظرة على سائر المواضيع في الكتاب لم يكن هنالك شيء لأراجعه فقد حفظت كل الكتاب عن ظهر غيب !
في هذا الأثناء جاءت المديرة بعد ان طلبت من المعاونة ان تجمع الطالبات !
لتقول ضعوا اغراضكم في امانات المدرسة قبل أن تدخلوا الى القاعات انصرفت انا لأضع محفظتي بعد أن اخذتُ منها ما احتاجه لتأدية الامتحان و سلمت مظلتي السوداء التي تهشمت بفعلِ قوة الرياح الى أمينة أغراض الطالبات !!
بعد ذلك دخلنا الى القاعات لقد كنت اعرف قاعتي فهذا لم يكن أول الامتحانات جلست على مقعدي الدراسي انتظر أن استلم الأسئلة مثل سائر الطالبات فشعرت بالبرد في جسدي واطرافي بسبب ما تعرضت له من رطوبة من رأسي حتى اخمص قدمي، لكن هذا الشعور تلاشى بمجرد استلامي للأسئلة ! لأني اندمجت بالحل في ورقة الأمتحان وقد تناسيت كل شيء، استغرقت من الوقت في حل الأسئلة ساعة ونصف الا أنهم لم يأذنوا لي بالخروج حتى مضى الوقت المحدد ساعتين !!
فخرجنا الى ساحة المدرسة وقد اشرقت الشمس بأشعتها الدافئة فذهبت الى زاوية في احد زوايا الساحة الكبيرة لأتنعم بدفء الشمس وقد انطلقت جميع الطيور محلقة في السماء بألحان اصواتها العذبة، قلت في نفسي بعد أن اشعرتني الشمس بدفء لم يكن الجو شديد البرودة في الشمال أنه باردٌ بعض الشيء .
انتهى :
بقلمي زهراء شاكر 🌸
تعليقات
إرسال تعليق